كيفية إصلاح منظومة التعليم في مصر؟   "مقال ١"

كيفية إصلاح منظومة التعليم في مصر؟ "مقال ١"

0 المراجعات

[1] - ((لماذا التعليم أولا وقبل كل شيء؟))

لا أعتقد أن هناك على سطح الأرض من يجهل أنه "بالعلم تبنى الأمم" ولك أن تتخيل ما الذي تعنيه كلمة بناء الأمة ، فمن تحسين فكر الإنسان وتوجيه ملكاته الإبداعية إلى حل مشاكل البلاد الإدارية كلها تدريجيا على عقدين أو ثلاثة على الأرجح بإذن الله وحوله وقوته ، ومن أهمها القضاء على البيروقراطية ، وكذلك حل تفاصيل كل المشاكل التي شابت المجالات الاجتماعية والسياسية والقانونية والاقتصادية والدولية والطائفية أيضا.

******************

[2] -  ((عرض وتحليل جوانب مشاكل التعليم في مصر الحالية))

لقد أصبح من البديهي في بلادنا أن قطاع عريض جدا من الطلبة والطالبات ووالديهم يعانون بشدة من وطأة التعليم ومستواه المتدني ، وما يخرجه من أجيال غير مستعدة لسوق العمل ولا تحب التعليم ، بل وتبغض كل ما هو ورقي لأنه يذكرهم بالقراءة والعلم ، أجيال تربت وترعرعت على الحفظ والتلقين بدون فهم ولا تدبر وعند أول بادرة تلقي بكل ما تعلمته وراء ظهورها بل واعتبرته حشوا لا نفع منه ، أجيال لا تدرك لماذا تتعلم من الأساس ولا تفهم ما هي علاقة ما تعلمته بدينها الإسلامي وبواقعها الحياتي اليومي ، وإن وجد لبعضهم هدف ما أو بضع أهداف لانحصرت في أن تكون :

١- المال أو الربح المادي وما يتبعه من تحسين مستوى المعيشة: وقد ينحرف الهدف إلى لهاث مستمر وراء أقصى ربح ممكن ، حتى وإن تم ارتكاب المحرمات في سبيله مثل الغش لإنهاء التعليم والحصول على الشهادة التعليمية بالتزوير ، وعندما يصل المرء لمبتغاه بوسيلة غير مشروعة فإنه يستمر في مسلسل المحرمات من ظلم للآخرين والذي يتمثل في الغش التجاري وعدم إتقان العمل وعدم الانتظام في أوقات العمل الرسمية في بعض الجهات وتقاضي الرشاوى والاحتيال على الآخرين أحيانا.
٢- السعي لإثبات الذات في وسط المجتمع : وهذا نتج من وجود فجوات إجتماعية بين طبقات الناس ومما يشاهدونه في الواقع أو في الفضائيات من طريقة حياة أبناء الطبقات الغنية ، ومحاولة الوصول للنموذج الذي تم زرعه في أذهانهم من أنه لابد أن يثبت نفسه ويصبح صاحب لقب مرموق في أوساط الناس مثل الطبيب أو المهندس أو وكيل النيابة أو الضابط وغيرها من الألقاب ، وفي سبيل هذا يتم الوصول لهذا الهدف من قبل البعض بطرق ملتوية أو غير مشروعة فيوسد الأمر لغير أهله وينتشر الفساد في الأرض.
٣- الاستعلاء على الخلق : وهذا يكون بسبب عقد نفسية تكونت في شخصيات غير سوية من الناس ، شخصيات ضعيفة جدا لم تجاهد هواها كي تتغلب على عقدها ، ولكنها تريد تعويض كل ما حدث لها في مراحل حياتية سابقة ، بأن تضر غيرها وتنتقم ممن أذاها في صورة إيذاء أشخاص آخرين يعملون تحت أيديهم حبا في السيطرة والهيمنة.
٤- حب العلم وخدمة المجتمع به : وهذا نادر جدا في مجتمعنا بالطبع ، ولكن مثل هؤلاء إن لم يكن عندهم عقيدة قوية ورسالة يتعلمون وينافحون من أجلها ، كأن يتعلم كي يسخر علمه لنفع بلاده المسلمة ونفع إخوانه المسلمين فإنه في أول اختبار من أجل المبادئ يفشل ، فها هو شخص ما قد ينال المراتب العلمية العالية في بلده ، ولما حقد عليه وحاربه أقرانه قرر السفر لبلاد الغرب كي يكمل مشواره العلمي ويجد الدعم والإمكانات اللازمة لتطوير مستواه العلمي وهذا أمر حسن في ظاهره ، ولكن ها هم يأخذونه منا بعلمه وعبقريته وابتكاراته وينتفعون بعصارة جهوده العلمية ، وعندما يفكر في الرجوع إلى وطنه كي ينفع أبناءه ويحارب ثانية يقرر ألا عودة ، ثم إنه بعدما يتم استغلاله إلى حد معين ويشعر الغرب أنه قد أصبح ورقة خاسرة أو شوكة في الحلق إن استمر حيا يتم تصفيته بشكل أو بآخر.

******************
[3] - ((اقتراحات ومحاولات فاشلة لإصلاح منظومة التعليم))
ولقد تمت عدة محاولات فاشلة أو اقتراحات خيالية لا تمت للواقع بصلة ، فعلى سبيل المثال :

١- هناك برامج إعلامية تعرض المشكلة وتقترح حلولا : ولكنها تلعب علي وتر أنها تمس وجدان الناس وسيكثر متابعيها مما يعني مشاهدة أكبر للفواصل الإعلانية التي تتخللها وهو ما يؤدي إلى المزيد من الربح وفقط ، وما الذي تم تطبيقه من حلولهم لاشيء بالطبع وكلها في الأصل مقترحات على المسئولين ، كأن تكون الثانوية العامة سنة أم سنتين وما الأفضل من هذين الاختيارين ، ومعظمها تفاصيل لا تهمنا كثيرا حتي وإن بدت للبعض مهمة ولكنها ليست هي المشكلة الجوهرية.

٢- وهناك آخرون يدعون أنهم أكثر ذكاء وواقعية من الجميع فالبعض يقترح أن يترك الطفل المدارس برمتها ويستأجر له معلمين في البيت ، وهو حل نظريا جيد ولكن واقعيا فهو سيضر الطفل لاختفاء العامل الجماعي في التعليم وعامل الانضباط والالتزام في الحضور والتدرج في مستوى المعلومات المقدمة للطفل والتي قد أحسن وضعها واضعو المناهج بحكم خبرتهم في هذا ، وقد يكون هذا من أحد حسنات النظام التعليمي في بلادنا ، وكذلك ما قد يسببه من انفصال الطفل عن مجتمعه وقد ينحرف فكره وسلوكه ويختلف عن أقرانه ، وقد يجد صعوبات في التعامل معهم على المستوى الإجتماعي عندما يكبر ويندمج في المجتمع لهذه الأسباب.

٣- وهناك حل آخر خيالي تماما ألا وهو ترجمة مناهج أجنبية سواء غربية أو شرقية وإدخالها في بلادنا وطباعتها وتدريسها للطلاب بجانب المناهج المقررة أو بديلا لها ، وقد يكون هذا الحل مبهرا للكثيرين ولكن في كلا الحالين لن يستطيع أحد إلزام الطالب بها أو أن الطالب لن يستطيع التوفيق بينها وبين المناهج المقررة.

** ويرى آخرون أن الحل الأمثل هو الاستفادة من الوضع الحالي كما هو مع وجود ثوابت يقوم عليها ، وإضافات عليه وطرق مبتكرة لتحقيق أقصى منفعة منه وبالذات في مراحله الأولى ، وهذا ما سوف نناقشه في السطور التالية بإذن الله.

 

******************
[4] - ((حقيقة الإصلاح ومن أين يبدأ))

إن أي إصلاح مجتمعي حقيقي يأتي من الأسفل من قاعدة المجتمع العريضة (الأسر المسلمة) لا من الأعلى (المنظومات) ، وانتقاد المنظومات التي في أعلي لن يقدمنا شبرا للأمام ، والدليل هو الواقع ، فنحن منذ الأزل نتنقد ونشجب وندين ولم نتقدم شبرا للأمام ، ومن يفكر هم القليل والذي يعمل بجد وهمة أقل القليل أو يكاد ينعدم .

قال الله سبحانه {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فالحل بيد الله ، لكن يجب علينا نحن وأسرنا وأبنائنا الأخذ بالأسباب الإيمانية والمادية اللازمة ، وأي تغيير يكون بإنشاء نموذج وتعهده حتي ينجح فيحتذي به غيره ويسيروا على نهجه ، وذلك بنشر التجارب الشخصية والمؤسسية التي حاولت التغيير وتوعية الآخرين بطرق التغيير والدعوة لتطبيقه.

وإن نتائجه الحقة ستظهر على عقود وليس في يوم ولا شهر ولا سنة ولا سنتين ولا حتى ثلاث ، ثم ينتشر النموذج بين الناس - بإذن الله - حتى يعم التغيير المدينة بأكملها ومنها إلى البلاد كلها ، ولا عجلة في الأمر فإن السماوات والأرض لم يخلقوا في طرفة عين والله كان وما زال قادرا على هذا سبحانه.

ولا عجب مما سبق وإذا شئتم فانظروا إلى تاريخ الشعب الياباني وبخاصة الفترة التي تلت حادثتي هيروشيما وناجازاكي ، فإن الشعب الياباني قد بنى نفسه بنفسه وبدون تدخل مباشر من المنظومات العليا في بادئ الأمر ، حيث انصب اهتمامه على بناء الإنسان وبخاصة عقل الإنسان ، وفي خلال عقود أصبحت اليابان المعاصرة هي اليابان التي نعرفها ، فما الذي سيجري إذا لم نعتبر أن هناك منظومة تعلونا من الأساس وتكاتفنا معا وبنينا أنفسنا بأنفسنا وأيدينا حتى نخرج من المستنقع الذي ولجنا فيه مكرهين.

.. يتبع بإذن الله.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

9

followers

5

followings

1

مقالات مشابة