أهمية تعلم لغة جديدة
*مقدمة:
اللغة الأم هي اللغة الأولى التي يتعلمها الشخص.عادة ما تكون هذه هي اللغة التي يتحدث بها الآباء والأمهات والأقارب والأشخاص الآخرون الذين يحيطون بالطفل منذ الولادة.
يتعلم الأطفال اللغة الأم بشكل طبيعي، دون أي تعليم رسمي. ويتعلمون ذلك من خلال التعرض للغة من حولهم. يتعلمون الكلمات والقواعد النحوية والمفردات من خلال الاستماع إلى الآخرين يتحدثون، ومن خلال الممارسة في الكلام والكتابة.
ولكن هل يجب علينا أن نفكر في تعلم لغة جديدة غير لغتنا الأم؟
الحقيقة أن هناك العديد من الأسباب التي تجعلنا نفكر في تعلم لغة جديدة. منها على سبيل المثال:
* التواصل الفعال مع أشخاص من الثقافات الأخرى:
يضطر أحيانا بعض الأشخاص إلى السفر إلى دول تتحدث بلغات أجنبية، إما للعمل أو للدراسة أو للهجرة. لذلك، يكون من الضروري تعلم لغة هذه البلاد ليتمكنوا من التواصل الفعال مع أهل هذه البلد. فتعلم اللغات يوسع مداركنا على العالم ويساهم في زيادة التواصل مع الآخرين من أصحاب اللغات الأخرى. فلكل لغة أسلوبها الخاص وتعابيرها وتراثها ومراجعها الثقافية. وتعلم لغة ما هو إلا اطلاع على ثقافتها وتراثها من خلال مفرداتها والتنوع النحوي فيها. فتصبح لدى متعلمي اللغة مفردات جديدة، وأفكار متجددة ومتنوعة تمكنهم من فهم العالم من حولهم بطريقة مختلفة.
يقول الكاتب بيل هاندلي في كتابه "تعلَّم لغة جديدة بسرعة وسهولة": "من جانبي، أرى تعلُّمَ لغة جديدة طريقة للتعرف على الشعوب؛ فما أمتع أن أجلس في حافلة في بلد أجنبي وأن أتحاور مع أشخاص غرباء بلُغتهم؛ فأنا جزء من بيئتهم ولست مجرد متفرج. أذكر أنني يوما كنتُ جالسًا في ترام في بولندا أخوض في نقاش سياسي مع الركاب وأفكِّر في نفسي قائلًا هأنذا أسبر الكيفيةَ التي يفكِّر بها البولنديون أنفسُهم. شتَّان بين أن تزور بلدًا وأنت تعرف لغته، وأن تزوره وأنت لا تعرفها؛ فالأمر يكون أكثر إثارة إلى حدّ كبير حين تتحدث بلغة البلد وأنت تسأل عن الاتجاهات، وتتسوق، وتستقل القطار أو الأتوبيس، وتحجز غرفة في أحد الفنادق، وتطلب وجبة."
فإتقان اللغة يساهم في اندماج الشخص مع المجتمعات المختلفة، والتعامل مع الأشخاص بلطف، وبناء صداقات قوية معهم. وعندما يكون الشخص قادراً على التواصل مع الآخر بلغتهم، فإن ذلك يعتبر بمثابة هدية رائعة له، حيث يُمكنه التواصل مع مجموعة أوسع من الأشخاص، ويحظى بقبول رائع في المجتمع، وفرص أكثر للتواصل والتعرف على الناس بشكل أفضل.
كما أنّ إتقان الفرد للغة ما أثناء هجرته إلى بلد أجنبي يضمن له عدم الشعور بالغربة ولو بشكل بسيط.فهي تسمح لنا بالتعبير عن أفكارنا ومشاعرنا ومشاركة المعلومات مع الآخرين من جميع أنحاء العالم.
*تعزيز الحياة المهنية وزيادة الدخل:
تُعد مهارة إتقان لغة أجنبية من أهم المهارات المطلوبة في جميع الوظائف، بل إنها قد تكون أكثر أهمية من مستوى مهارة الشخص في التخصص المطلوب. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة زيادة الطلب بشكل كبير على الأشخاص الذين يتقنون لغتين أو أكثر، وفي كثير من الحالات تعمل المهارات اللغوية على زيادة الراتب والحوافز للموظفين.ولهذا فمهارة التحدث بأكثر من لغة تعد ميزة تنافسية كبيرة في سوق العمل.
إن تعلم لغة أجنبية يوفر العديد من فرص العمل للباحثين عن عمل، خاصة في الشركات العالمية التي لها فروع في دول أجنبية .كما تكثر الفرص للعثور على وظائف في بلدان أخرى لمتعددي اللغات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تعلم اللغات يكشف عن العديد من المهارات العقلية والمعرفية، مثل القدرة على حل المشكلات ومهارة التفكير الناقد، والقيام بمهام عديدة في نفس الوقت. حيث يتمتع ثنائيو اللغة بهذه المهارات أكثر غيرهم من أصحاب اللغة الواحدة، وهي من أهم المهارات التي يبحث عنها أصحاب الأعمال لتوظيف الموظفين لديهم.
*تنمية القدرات العقلية والمعرفية:
- تتعدد وتختلف الفوائد المعرفية لتعلّم اللغات، حيث يتمتع الأشخاص الذين يتحدثون أكثر من لغة بالعديد من الميزات الإدراكية والعقلية، منها:
- القدرة على التنقل بين المهام والمقارنة بينها: أظهرت بعض الأبحاث أنّ دماغ ثنائي اللغة لديه قدرة أكبر على الانتباه وتبديل المهام مقارنة بالدماغ أحادي اللغة، وذلك لأنه قادر على التركيز على إحدى اللغات أثناء التحدث بها وتثبيط الأخرى في نفس الوقت.
- تنمية العقل: وجدت الدراسات أنّ ثنائيي اللغة يميلون إلى امتلاك ذاكرة أفضل، وزيادة القدرة على التركيز، ومهارات استماع أفضل، وقدر عال من الإبداع والمرونة.
- تأخير ظهور الخرف: أظهرت الدراسات أنّ التحدث بعدة لغات قد يساعد في إبطاء أعراض مرض الخرف. فعند تحدث الشخص بلغات مختلفة، يستطيع الدماغ أن يجد طرقًا جديدة لمعالجة المعلومات باستخدام مستقبلات مختلفة، وهذا يساعد في حماية وظائفه من الضمور. ويطلق الأكاديميون على هذا “الاحتياطي المعرفي”.
*تحسين لغتك الأم
وفقًا لبعض الدرسات فإن دراسة لغة ثانية بمفردها يمكن أن تحسن بشكل كبير مهاراتك في اللغة الأولى في المجالات المتعلقة بالقواعد والقراءة والمفردات ومهارات التحدث.
وهذا أمر منطقي لأن تعلم لغة جديدة يسمح لك بفهم بنيات اللغة وتقسيمها، وهو أمر من المحتمل أن تكون قد تعلمته بشكل حدسي عندما تعلمت لغتك الأم.
* اكتساب العديد من المهارات الشخصية:
- ومن أهم هذه المهارات:
1- سهولة الوصول إلى المعلومات:
عندما تتعلم لغة جديدة، يكون لديك إمكانية الوصول إلى مصادر معلومات أكثر تنوعا. فيمكنك البحث عن المعلومات في الكتب والمقالات والمواقع الإلكترونية والأفلام والبرامج التلفزيونية والموسيقى بلغات مختلفة. وهذا يمكن أن يكون مفيدًا بشكل خاص إذا كنت تقوم ببحث حول موضوع محدد أو إذا كنت تبحث عن معلومات من مصادر غير متوفرة بلغتك الأم.
بالإضافة إلى ذلك، يمكنك الوصول إلى معلومات لم تكن متاحة لك سابقًا. فعندما تتعلم لغة جديدة، تكون قادرًا على فهم المعلومات المكتوبة والمتحدثة بهذه اللغة. وهذا يمكن أن يساعدك على التعرف على ثقافات وأفكار جديدة، وفهم العالم من حولك بشكل أفضل.
2. تعزيز الثقة بالنفس:
يساعد تعلم اللغة على كسر حاجز الخجل عند المتعلمين، والذي يكون عادةً في البداية.
فتعلم لغة جديدة يساهم في تعزيز الثقة بالنفس بعدة طرق، منها:
⁻ الشعور بالإنجاز:
تعلم لغة جديدة هو مهمة صعبة تتطلب الصبر والمثابرة، ولكنها مجزية للغاية. عندما تنجح في تعلم لغة جديدة، فأنت تشعر بالإنجاز والرضا عن الذات. فأنت تعلمت شيئًا جديدًا وصعبًا، ولديك الآن القدرة على التواصل مع أشخاص من ثقافات مختلفة.
⁻ الشعور بالاستقلالية:
تعلم لغة جديدة يساعدك على تحسين مهارات التواصل لديك. عندما تكون قادرًا على التواصل مع الآخرين بلغة أخرى، فأنت تشعر بقدر أكبر من الثقة في نفسك. فأنت لست مقيدًا بلغة واحدة، ويمكنك التواصل مع أي شخص في أي مكان في العالم.
⁻ الشعور بالقدرة:
تعلم لغة جديدة يعلمك أنك قادر على تعلم أشياء جديدة وتحقيق أهدافك. فعندما تتعلم لغة جديدة، فأنت تثبت لنفسك أنك قادر على التغلب على التحديات وأنك قادر على تحقيق أي شيء تضعه هدفا لك.
يقول " شون كيم"في مقالته 12 فائدة مذهلة لتعلم لغة جديدة:
"ما زلت أتذكر ما مررت به عندما كنت أعيش في ميديلين، كولومبيا. مع زميل في الغرفة لم يكن يستطيع التحدث بكلمة واحدة باللغة الإنجليزية عندما انتقلت للسكن لأول مرة. وبعد بضعة أشهر من استخدام أحد التطبيقات عبر الإنترنت لتعلم اللغة الإسبانية، تمكنت من الوصول إلى مستوى المحادثة بطلاقة. لقد أذهلني كيف تمكنت فجأة من التحدث إلى شخص لم أستطع أن أفهم التحدث إليه من قبل. وغني عن القول، أنه مع اختفاء حاجز اللغة، زاد تصورنا الإيجابي لبعضنا البعض بشكل كبير، وكذلك زادت صداقتنا. لقد دفعني تعزيز الثقة هذا إلى تعلم المزيد، والتفاعل مع المزيد من المتحدثين الأصليين، وترجم ذلك إلى مزيد من الثقة في كل جانب من جوانب حياتي."
وبشكل عام، يمكن أن يساعد تعلم لغة جديدة في تعزيز الثقة بالنفس من خلال إظهار أنك قادر على تحقيق أهدافك والتواصل مع أشخاص من ثقافات مختلفة.
*هل هناك سلبيات لتعلم لغة جديدة؟
بالطبع، يمكن أن يكون هناك بعض السلبيات لتعلم لغة جديدة، مثل:
- استغراق الوقت والجهد: يمكن أن يستغرق تعلم لغة جديدة وقتًا وجهدًا كبيرًا. قد تستغرق سنوات حتى تتقن مهارات اللغة الجديدة. سيتعين عليك تخصيص الوقت للدراسة والممارسة، قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تلاحظ تقدمًا في تعلمك.
- التحدي: يمكن أن يكون تعلم لغة جديدة تحديًا، خاصةً إذا كانت اللغة مختلفة تمامًا عن لغتك الأم. فقد تجد صعوبة في فهم القواعد النحوية والمفردات الجديدة، وقد تشعر بالإحباط في بعض الأحيان.
- الضغط النفسي والتوتر: يمكن أن يكون تعلم لغة جديدة مصدرًا للضغط النفسي. فقد تشعر بالضغط للأداء بشكل جيد، وقد تشعر بالإحباط إذا لم ترى النتائج التي تريدها سريعا.
- قد يكون محبطًا: يمكن أن يكون تعلم لغة جديدة محبطًا في بعض الأحيان. فقد تواجه صعوبة في فهم القواعد النحوية أو النطق أو المفردات. وقد تواجه صعوبة في العثور على الموارد المناسبة أو أن قد تشعر بالوحدة أو العزلة أثناء تعلم لغة جديدة.
- تأثُر اللغة الأولى: يمكن أن يؤثر تعلم لغة جديدة على اللغة الأولى. فقد تجد صعوبة في تذكر الكلمات والقواعد النحوية للغة الأولى.وقد يحد تعلم لغة جديدة من التواصل مع المتحدثين الأصليين للغة الأولى بسبب كثرة الممارسة مع أهل اللغة الثانية.
ختاما فإن تعلم لغة جديدة يمكن أن يكون تجربة ممتعة وغنية بالفوائد. كما أنه استثمار رائع يمكن أن يفيد حياتك بعدة طرق. ومن المهم أن تكون على دراية بالسلبيات المحتملة لتعلم لغة جديدة قبل البدء في التعلم. ومع ذلك، فإن الفوائد المحتملة لتعلم لغة جديدة تفوق السلبيات، في رأي الكثيرين.
في المقال التالي سنعرض كيف نبدأ في تعلم لغة جديدة؟ وما أهم النصائح التي ينصح بها الخبراء في تعلم اللغات؟
*المصادر:
⁻ noor-book.com/iyo6uw
⁻ https://www.lifehack.org/380305/12-surprising-benefits-learning-new-language-that-youll-experience
⁻ https://www.etsglobal.org/pl/en/blog/news/importance-of-learning-english