
رحلة عبر الزمن الى فجر الحوسبة
مقدمة
تُعدّ لغات البرمجة بمثابة أدوات البناء التي شكّلت عالمنا الرقمي. إنها ليست مجرد شفرات، بل هي وسيلة للتواصل مع الأجهزة وإعطائها الأوامر. على مر السنين، تطورت هذه اللغات بشكل مذهل، ولكن لفهم الحاضر، علينا أن نعود إلى البدايات. هذه المقالة ستأخذنا في رحلة إلى فجر الحوسبة، حيث ظهرت أولى لغات البرمجة التي أرست الأساس لكل ما نعرفه اليوم.
فورتران (FORTRAN)
تعتبر فورتران (FORTRAN)، التي تعني FORmula TRANslation، واحدة من أقدم لغات البرمجة وأكثرها تأثيرًا. تم تطويرها في منتصف الخمسينيات من قبل فريق في شركة IBM بقيادة جون باكوس. كان الهدف منها هو تبسيط عملية برمجة الحسابات العلمية والهندسية المعقدة، ولهذا السبب، ما زالت تستخدم في هذا المجال حتى اليوم. تميزت فورتران بكونها أول لغة برمجة عالية المستوى (high-level programming language)، مما جعلها أسهل في القراءة والكتابة مقارنة بلغة التجميع (Assembly language).
ليسب (LISP)
ظهرت لغة ليسب (LISP) بعد فترة وجيزة من فورتران، في عام 1958، على يد جون مكارثي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT). ليسب، التي تعني LISt Processing، هي لغة فريدة من نوعها تم تصميمها للتعامل مع البيانات الرمزية وليس الأرقام فقط. هذا جعلها مثالية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث كانت الرائدة في هذا المجال لعقود طويلة. تتميز ليسب بأسلوبها الفريد في بناء الجملة، والذي يعتمد على الأقواس بشكل مكثف.
كوبول (COBOL)
تم إنشاء لغة كوبول (COBOL)، التي تعني COmmon Business-Oriented Language، في عام 1959 من قبل مجموعة من المبرمجين والمسؤولين الحكوميين. كان الهدف الأساسي منها هو تلبية احتياجات البرمجة التجارية، مثل معالجة الرواتب وإدارة المخزون. ما يميز كوبول هو سهولة قراءتها، حيث تشبه اللغة الإنجليزية الطبيعية إلى حد كبير. على الرغم من قدمها، ما زالت كوبول تستخدم في العديد من الأنظمة المالية والحكومية الكبيرة، مما يبرز أهميتها التاريخية.
ألغول (ALGOL)
تُعد لغة ألغول (ALGOL)، التي تعني ALGOrithmic Language، من اللغات الرائدة التي كان لها تأثير عميق على لغات البرمجة اللاحقة. تم تطويرها في أواخر الخمسينيات، وركزت بشكل خاص على الهيكل التنظيمي للبرامج. كانت ألغول أول لغة تقدم مفهوم الكتل البرمجية (block structure) والبرمجة الإجرائية بشكل واضح، مما أثر على تصميم لغات مثل باسكال (Pascal) وسي (C). على الرغم من أنها لم تنتشر تجاريًا مثل فورتران أو كوبول، إلا أن مفاهيمها أصبحت أساسًا للعديد من لغات البرمجة الحديثة.
الخلاصة :
لقد كانت هذه اللغات الأربع - فورتران، ليسب، كوبول، وألغول - بمثابة الآباء المؤسسين لعالم البرمجة. لقد أرست كل منها مفهومًا جديدًا وأساسًا لما نعرفه حتى هذا اليوم. من خلال فهم هذه اللغات وتاريخها، يمكننا أن نرى كيف تطورت التكنولوجيا، وكيف أن الأفكار الرائدة في الماضي ما زالت تشكل الحاضر وتلهم المستقبل.
وبعد ذلك بدأ العديد من الأشخاص في تصميم عدة أكواد ولغات برمجة مثل ” جريس هوبر ” من الولايات المتحدة،حيث قام بعمل لغة جديدة من لغات البرمجة تحت اسم FLOW-MATIC،وقد قام بعد ذلك بعمل تعديل لتلك البرمجة، عن طريق استبدال الرموز الرياضية ووضع كلمات من اللغة الانجليزية،بدل تلك الرموز و قد تم طرح هذا البرنامج بالأسواق في عام 1958 ميلادياً.
و قد اصبح الان هناك العديد من لغات البرمجة، ومن أشهر تلك اللغات ..
” جافا، برولوغ، بايثون، بيسك، باسكال، اطلس اوتوكود، لغة دارت، روبي ” وغيرها.
في نهاية هذه الرحلة عبر الزمن، ندرك أن لغات البرمجة القديمة ليست مجرد صفحات من التاريخ، بل هي الأساس الذي بنيت عليه كل التكنولوجيا الحديثة. لقد كان المبدعون وراء فورتران، ليسب، وكوبول بمثابة رواد حقيقيين، حيث لم يبتكروا مجرد لغات، بل أرسوا قواعد التفكير الحوسبي الذي نستخدمه حتى اليوم.
إن فهم هذه البدايات يساعدنا على تقدير مدى التطور الهائل الذي شهدته البرمجة، كما يذكرنا بأن الأفكار المبتكرة التي تبدو بسيطة في بدايتها يمكن أن تشكل مستقبلًا بأكمله.